التجويد : باب الِاستعاذة وباب البسملة
1 - باب الاستعاذة
قال الله تعالى في القرآن الكريم "وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله
من الشيطان الرجيم"، (سورة النحل الآية 98). فقولك أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،
يعني أنت تستعيذ بالله من الشيطان، أنت تلجأ إليه، أنت تأوي إلى ركنه .أنت أيها
الإنسان عاجز فلذلك تقول يا رب أعوذ بك وألجأ إليك حتى تمكنني من القراءة، أنا ما أستطيع،
أنا يمكن أقرأ وقد لا أفهم، ألجأ إليك حتى تشرح لي، حتى تفهمني، عجزي ظاهر، ألوذ وأعوذ
بك من الشيطان.
لماذا طلب الله من النبي صلى الله عليه وسلم عند قراءة القرآن التعوذ؟
فوأنت تقرأ القرآن هذا خير أم شر؟ فهو خير بل محض خير، فإذا قرأت القرآن وفهمته
كيف تصبح؟ حتما ستصبح عالما، مسلما، فهيما، فقيها في الدين، تخرج من الظلمات إلى
النور...
إذا هل الشيطان يريد لك ذلك؟ الشيطان لا يريد لك لا أن تستقيم ولا أن
تصلي ولا أن تفهم عن الله، فأنت تريد أن تباشر أعظم عمل وهو قراءة القرآن، إذاً
استعذ بالله من الشيطان الرجيم.
باب التعوذ هو أول باب تطرق إليه الناظم رحمه الله؛ وذلك أن الاستعاذة
تكون قبل القراءة، فهي شعار التلاوة، لذا كانت أول باب نبدأ به قبل أن نشرع في
أحكام القراءة والتجويد، ولها كذلك أحكام وألفاظ متعددة.
فما معنى التعوذ ؟ وما حكمه ؟ وما ألفاظه ؟
قال الإمام ابن بري رحمه الله:
أتعرف معاني الألفاظ والعبارات
- والإسرار: مصدر أَسَرَّ أي أخفى
وكَتَم.
- لفظه: صيغته وكلماته.
- ذاع: انتشر وشاع وصار معلوما.
اشتملت الأبيات على أحكام الاستعاذة، وتفصيلها في الآتي:
أولا: تعريف التعوذ
التعوذ مصدر تَعَوَّذَ، ويقال أيضا: الاستعاذة، والعَوْذ في
اللغة الالتجاء والاعتصام، فإذا قال القارئ: «أعوذ بالله» فكأنما قال: ألجأ وأعتصم
وأتحصن بالله، ولفظه لفظ الخبر، ومعناه الدعاء، أي اللهم أعذني من الشيطان الرجيم.
وعليه يكون تعريف التعوذ عند القراء: قول القارئ أعوذ بالله من الشيطن الرجيم، أو
غيره من الألفاظ الواردة فيه.
والتعوذ ليس من القرآن بإجماع، وحكمه الندب عند الجمهور، ومحله قبل القراءة، وقوله تعالى في سورة النحل الآية 98
معناه فإذا أردت القراءة فاستعذ.
تعريف الواجب والمندوب
الواجب: ما يتاب على فعله، ويعاقب على تركه.
المندوب: ما يتاب على فعله ولا يعاقب على تركه.
ثانيا: لفظ التعوذ
وردت في لفظ التعوذ وصيغته آثار مختلفة عن النبي ﷺ وعن الصحابة رضي
الله عنهم، ومفاد هذه الآثار والأخبار أن النبي ﷺ والصحابة الكرام استعملوا اللفظ
المشهور وهو «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، وفي آثار أخرى استعملوا غيره من
الألفاظ، مثل: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم»، و «أعوذ بالله
العظيم من الشيطان الرجيم»، و «أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم»،
وغير ذلك من الألفاظ التي فيها اختلاف.
لكن المختار والمستعمل هو لفظ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لمطابقته
لما جاء في سورة النحل، وغير هذا اللفظ جائز غير مختار.
قال الإمام الداني -رحمه الله-: «اعلم أن المستعمل عند الحذاق من أهل
الأداء في لفظها أعوذ بالله من الشيطان الرجيم دون غيره، وذلك لموافقة الكتاب
والسنة» .[ التيسير، ص:107].
ثالثا: الـجهر والإسرار بالتعوذ
الجهر هو رفع القارئ صوته قدر ما يسمعه غيره، والإسرار عكسه، وهو أن
يقرأ في نفسه من غير صوت مسموع.
والجهر بالتعوذ شاع عند أهل الأداء في مذهب قالون وورش، وهو المشهور
المعمول به. وهناك رواية عن أحد تلامذة الإمام نافع، وهو إسحاق المسيبي فيها أنه
كان يخفي التعوذ، أي يُسِر به في جميع القرآن، لكن هذا المذهب غير معمول به.
وننبه هنا على أن القارئ إذا كان سيقرأ لنفسه بالسر فإنه يسر بالتعوذ
كذلك، لأن التعوذ على سَنَن القراءة، إن كانت جهرا فالتعوذ بالجهر، وإن كانت سرا
فالتعوذ بالسر.
ملاحظة:
إذا عرض للقارئ ما يقطع قراءته (كسعال أو عطاس أو كلام يتعلق بالقراءة
كتصحيح المدرس خطأ الطالب...) فلا يعيد التعوذ، أما إذا كان العارض أجنبيا (كتشاغل
عن القراءة، أو الأكل...) أعاد التعوذ قبل بدأ القراءة مرة ثانية.
2 - باب البسملة
1.1 - أحكام البسملة بين السورتين
قرأ إبراهيم حزب «قل أوحي» وكان يبسمل بين السور، وقرأ معاذ حزب «عم»
وكان يسكت سكتة قصيرة بين السور، وقرأ المهدي حزب «سبح» وكان يصل بين السور من دون
بسملة ولا سكت.
هي إذن ثلاثة أوجه صحيحة، فما هي أحكام كل واحد منها بالنسبة لقالون
وورش؟ وما الوجه المختار منها؟
قال الإمام ابن بري رحمه الله:
قَالُونُ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ بَسْمَلاَ وَوَرْشٌ الْوَجْـــهَانِ عَــنْـــهُ نُقِلاَ
وَاسْكُتْ يَسِيراً تَحْظَ بِالصَّوَابِ أَوْ صِـــــل لَّــــهُ مُبَيِّنَ الإِعْرَابِ
أتعرف معاني الألفاظ والعبارات
- النقلة:
الأئمة المتقدمون الذين نقلوا لنا قراءة نافع.
- تحظ: تحصل
على الرفعة والمكانة.
ذكر الناظم-رحمه الله- في هذه الأبيات أحكام البسملة بين السورتين
لورش وقالون، وتفصيل ذلك في الآتي:
- السكت: هو قطع الصوت دون تنفس زمنا أقل من زمن الوقف عادة، ويكون بين السورتين.
- الوصل: هو وصل آخر السورة المختومة بأول السورة المبتدأة من دون وقف ولا سكت ولا بسملة، هكذا مثلا:فنبين حركة الحرف الأخير من السورة.
وهذا الوجه ذكره الناظم في مقابله، وهو السكت.
ذكر الناظم-رحمه الله-أن قالون بسمل بين السورتين، أي أثبت البسملة
وفَصَل بها بين السورة الأولى المختتمة والثانية المبتدأة كما هو مكتوب في المصحف.
ثالثا: مذهب ورش
اختلف الرواة عن ورش في البسملة بين السورتين، فمنهم من أثبتها وفصل
بها بين السورتين كقالون، ومنهم من تركها، وهذا معنى قول الناظم-رحمه الله -:
«وورش الوجهان عنه نقلا»، والمشهور عن ورش هو ترك البسملة، وعليه فإنه يقرأ بين
السورتين بأحد الوجهين الآتيين:
- الأول:
السكت، وهو الوجه المقدم، قال عنه الإمام الداني: «وهو مذهب أكثر شيوخنا، وهو
اختيار الحذاق من أهل هذه الصنعة».[شرح
المنتوري ج 1، ص 108]. ونص عليه
الناظم-رحمه الله- بقوله: «واسكت يسيرا تحظ بالصواب».
- الثاني: الوصل، وإذا وصل القارئ فإنه يبين حركة الحرف الأخير من السورة الأولى.وإليه أشار الناظم بقوله: «أوْصِلْ لَهُ مُبَيِّنَ الإِعْرَابِ».
خطاطة تبين مذهب ورش وقالون في باب البسملة
1.2 - باب البسملة: الأربع الزهر
لاحظ أحد التلاميذ وجود علامة الوقف في آخر سورة المدثر، وفي البسملة من السورة التي تليها؛ وهي سورة القيامة، وكذلك الشأن في سورتي الانفطار والمطففين، والفجر والبلد، والعصر والهمزة، بينما في باقي السور لاحظ عدم وجود علامة الوقف في أواخرها، ولا في البسملة، فتساءل قائلا: لماذا توجد علامة الوقف في هذه السور الأربع دون غيرها؟ وهل هناك حكم خاص بها؟
قال الإمام ابن بري رحمه الله:
أتعرف معاني الألفاظ والعبارات
- الأربع: السور الأربع، وسيأتي
ذكرها.
- أولى: أحق بالاعتماد من غيره.
- ذي نظر: صاحب
فكر سديد.
اشتملت أبيات الدرس على ما يأتي:
أولا: البسملة فـي الأربع الزهر
الأربع الزهر هي أربع سور من القرآن الكريم، وتسمى أيضا بالأربع
الغر، سميت بذلك لشهرتها واختصاصها بأحكام، وهذه السور الأربع هي: القيامة
والمطففين والبلد والهمزة، وكل واحدة منها لها تعلق بما قبلها كما سنرى.
وقد بين الناظم-رحمه الله-أن بعض الأئمة وأهل الأداء الذين قرأوا بالسكت، أو الوصل
بين السورتين لورش، كانوا يفصلون بالبسملة له بين المدثر والقيامة، والانفطار
والمطففين، والفجر والبلد، والعصر والهمزة.
وسبب تخصيص هذه السور بالبسملة هو أنه إذا قرأنا بالوصل بين هذه السور
من دون بسملة فإن المعنى سيكون قبيحا في اللفظ؛ فإذا وصلنا آخر المدثر بأول
القيامة فإننا سنجمع بين المغفرة والنفي بلا، وكذلك الفجر والبلد سنجمع بين دخول
الجنة والنفي، أما إذا وصلنا الانفطار بالمطففين فإننا سنجمع بين اسم الله والويل،
وكذلك العصر والهمزة سنجمع بين الصبر والويل، وهذه الألفاظ والتراكيب إذا اتصلت في
لفظ القارئ فإنها تعطي معنى قبيحا بحسب الظاهر؛ لذلك رأى بعض أهل الأداء أنه لا بد
من الفصل بين هذه السور بالبسملة، وحينئذ لا بد من الوقف على البسملة لكيلا يتصل
لفظ الرحيم بالنفي والويل، ولهذا نجد علامة الوقف في المصحف في أواخر هذه السور
دون غيرها.
ثانيا: السكت فـي الأربع الزهر
بيّن الناظم -رحمه الله- أن السكت في الأربع الزهر هو الأولى من البسملة في دفع المعنى القبيح؛ لأننا إذا بسملنا فإن لفظ
في البسملة سيتصل أيضا بالنفي والويل، وسنقع في نفس المحظور، لذا فإن
السكت بين هذه السور هو الأولى، بالإضافة إلى أنه رواية عن ورش، بينما البسملة في
هذه المواضع الأربع استحسان ورأي من بعض العلماء، وليست رواية، وقد نص على ذلك
الحافظ أبو عمرو الداني -رحمه الله- فقال: «وليس في ذلك أثر يروى عنهم، وإنما هو
استحباب من الشيوخ» [ التيسير:108]
والذي جرى به العمل في المغرب في السور الأربع هو البسملة، وهي الوجه
الأول المعمول به، ولا بد من الوقف على آخر السور التي قبل الأربع الزهر، وكذلك لا
بد من الوقف على البسملة، والوجه الثاني المعمول به هو السكت.
أطبق
قال الله جل وعلا:
أقرأ الآيتين بالبسملة، ثم أعيدهما بالسكت.
1.3 - باب البسملة: حكم فواتح السور والأجزاء
بعد أن فرغ الناظم-رحمه الله- من الأحكام الخاصة بورش وقالون في باب
البسملة، انتقل للحديث عن مسائل مهمة تتعلق بأحكام البسملة في فواتح السور، بما في
ذلك الحكم الخاص بسورة براءة، وكذلك الابتداء بالأجزاء.
فما حكم البسملة في أول براءة ؟ وما حكمها في حالة الابتداء بأوائل السور أو الأجزاء؟ وأين أقف إذا فصلت بين السورتين بالبسملة ؟
قال الإمام ابن بري رحمه الله:
أتعرف معاني الألفاظ والعبارات
- ذي قراءة: صاحب
القراءة.
- الفواتح: هي
أوائل السور.
ذكر الناظم-رحمه الله- في هذه الأبيات أربع مسائل:
الأولى: ترك البسملة فـي سورة براءة
سورة براءة هي سورة التوبة، تقع في ترتيب المصحف بين الأنفال
ويونس، ولهذه السورة حكم خاص، حيث إنها نزلت بدون بسملة، ولذلك لا نجد البسملة
مكتوبة في أولها، وهذا عمل الصحابة رضوان الله عليهم عندما كتبوا المصاحف، ولا
يكون ذلك إلا بأمر وتوقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولذلك لا يبسمل القارئ في أول هذه السورة في الحالتين معا، في حالة
ابتداء القراءة بها، وفي حالة وصلها بالسورة التي قبلها أو بأي سورة أخرى، ويجوز
في هذه الحالة السكت، أو الوصل، أو الوقف على آخر السورة المختتمة، والسكت أو
الوصل هما الوجهان المقروء بهما في المغرب.
وترك البسملة في براءة متفق عليه عند جميع القراء كما ذكر الناظم-
رحمه الله -، وهو الذي نص عليه الحافظ أبو عمرو الداني- رحمه الله- قال: «ولا خلاف
بين الأئمة في ترك التسمية بين الأنفال وبراءة... اتباعا لما اجتمع عليه الصحابة
من إسقاطها رسما بينهما في كل المصاحف» . [ شرح المنتوري، ج 1 ص 117].
الثانية: البسملة فـي فواتح السور
من الأمور المتفق عليها بين القراء أيضا البسملة في فواتح السور،
وبوجه خاص في الفاتحة، فيجب على القارئ أن يقرأ البسملة إذا كان سيفتتح قراءته من
أول السورة، بما في ذلك سورة الفاتحة التي أشار إليها الناظم بقوله «الحمدُ لله»،
وذلك «لأمر واضح» عند العلماء، أي لسبب وجيه مشهور، وسبب ترك البسملة في أول براءة
هو أنها نزلت من دون بسملة، ولم تكتب في المصاحف العثمانية في هذا الموضع، وسبب
وجوب البسملة في فواتح السور هو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث
أنه كان يقرأ البسملة في أوائل السور، ولذلك كتبها الصحابة في مصحف عثمان في أوائل
السور غير سورة براءة كما سبق.
أما في الصلاة فإن مالكا وفقهاء المدينة لا يرون قراءة البسملة في أول
الفاتحة في الصلاة تبعا لعمل أهل المدينة، وجرى بتركها عمل المالكية في الفريضة.
الثالثة: البسملة فـي أول الأجزاء
المقصود بالأجزاء: رؤوس الأحزاب والأنصاف والأرباع والأثمان، وكذلك أي
آية في السورة غير الآية الأولى.
وحكم البسملة عند الابتداء بالأجزاء هو جواز الإتيان بها وعدمه،
فالقارئ مخير بين قراءتها وتركها، وجمهور المغاربة يتركونها في الأجزاء، وجرى
العمل على ذلك اليوم في التلاوة وفي الصلاة.
الرابعة: أوجه الفصل بالبسلمة بين السورتين
إذا أردتُ أن أفصل بالبسملة بين السورتين سواء لقالون أو لورش في وجه
عنه فإنني أكون أمام أربعة أوجه، الأول منها مختار ومقدم، والثاني والثالث جائزان،
والرابع ممنوع، وهذا بيانها:
- الوجه
الأول: أن أقف
على آخر السورة المختتمة، ثم أقرأ البسملة وأصلها بأول السورة المبتدأة من
دون وقف على البسملة، وهذا الوجه هو المختار الذي عليه العمل.
- الوجه
الثاني: أن أصل
الجميع، أي أقرأ آخر السورة وأصلها بالبسملة وأول السورة من دون وقف.
- الوجه
الثالث: أن أقف
على الجميع، عكس الوجه الثاني.
- الوجه
الرابع: أن أصل
آخر السورة بالبسملة وأقف عليها، ثم أبدأ السورة الثانية، وهذا الوجه ممنوع،
لأن البسملة لأوائل السور وليست لأواخرها، وهذا هو الذي قصده الناظم- رحمه
الله - في البيت الأخير، وبه ختم باب البسملة.
أطبق
أقرأ الآيات الآتية بالأوجه الجائزة بين السورتين مع مراعاة خصوصية
«براءة» :
قال الله سبحانه وتعالى:
وقال عز وجل: