ظاهرة الدعارة | الأسباب والحلول
الموضوع : تفاقمت مشكلة
الدعارة في العالم. كيف تفسر ذلك؟ وما هي في نظرك الوسائل الكفيلة لمحاربة
هذه الظاهرة؟
تعد الدعارة أقدم مهنة في العالم، ففي كل المجتمعات وعلى مر العصور
كانت النساء بل الرجال والأطفال يعرضون أجسادهم في سوق النخاسة الجنسية. ومن الطبيعي أن تتواجد هذه الظاهرة في مجتمعنا،
لكن المؤسف أن نلاحظ تفاقمها وارتفاع أعداد المزاولين والمزاولات لهذه الحرفة
المشينة. فما هي أسباب تفاقم هذه الظاهرة ؟ وما هي السبل الناجعة لمحاربتها؟
لا يفوت المرء وهو يتجول في شوارع المدن الكبيرة ودروب بعض المداشر
والقرى أن يلاحظ العاهرات ذات الوجوه المطلية بمستحضرات التجميل الرخيصة تتحدثن
بغنج ودلال وتتفوهن بكلمات نابية لاستدراج الزبائن. فحين يعم الظلام المدن
الكبيرة ولاسيما التي تعرف رواجا سياحيا مثلا تمتلئ الأزقة ببائعات الهوى التي لا
تفتأ أعدادها ترتفع يوما عن يوم. ولعل الأخطر من ذلك هو ظهور أصناف جديدة من
الدعارة تتمثل في تعاطي الرجال بل وحتى الأطفال القاصرين لمهنة بيع اللذة الجنسية،
ينافسون بذلك النساء. والأدهى من ذلك كله ظهور الدعارة الرقمية في الآونة الأخيرة؛ والنساء اللواتي يمتهن هذا
الصنف تنتمين في الغالب إلى طبقات ميسورة تعرضن أجسادهن على أثرياء من دول الخليج
أو أوروبا. وإضافة إلى هذه الأنواع هناك الدعارة الراقية في الفيلات الفخمة
والفنادق المصنفة. وخلاصة القول أن هذه الآفة تتفاقم باستمرار. ولكن ماهو السبب
الكامن وراء ذلك ؟
إن العوامل التي تدفع إلى تعاطي النساء والرجال والأطفال للدعارة
عديدة ومتنوعة ولعل أول عامل يتبادر إلى الذهن هو الفقر: بسبب الطلاق أو وفاة
الزوج الذي كان يعيل الأسرة تجد المرأة نفسها عرضة للضياع رفقة أبنائها أو والديها
العجوزين؛ ولكي تحصل على بعض المال لإعالتهم فإنها تضطر لعرض جسدها في سوق
الدعارة، لاسيما في ظل غياب فرص العمل بسب الأزمة الاقتصادية. ومما يزيد الطين بلة
تلاشي قيم التضامن والتآزر التي كانت تميز المجتمع فيما مضى من الزمن، واستفحال
الفردانية والأنانية. بيد أن الفقر وحده لا يكفي لتبرير الارتماء في أوحال
الدعارة؛ فكم من امرأة وفتاة ورجل ضاقت بهم سبل العيش وسدت في وجوههم الأبواب ومع
ذلك ظلوا يكدون ويكابدون شظف الحياة للحصول على لقمة العيش الكريم، دونما أن
يصابوا بالوهن أو الضعف وبالمقابل فهناك طالبات ونساء تنتمين إلى الطبقات الوسطى
بل وأحيانا العليا يتعهرن من أجل الحصول على الإثراء السريع والعيش الرغيد، وليس
بسبب الفقر أو العوز. ولكن ما هي سبل الحد من هذه الظواهر المشينة ؟
لكي تتم محاربة الدعارة بشكل فعال ينبغي بادئ ذي بدء أن نتخلص من
النفاق الاجتماعي الذي يدفعنا إلى نكران وجود الظاهرة في بلادنا أو التقليل من
شأنها. فالاعتراف بوجودها بين ظهرانينا سيشجع الباحثين على القيام بأبحاث ودراسات
من دون شك ستساعد كثيرا على إيجاد الحلول الناجعة والكفيلة لمحاربتها. إلا أن أهم
عمل يتوجب القيام به هو تحسين ظروف عيش الفئات الفقيرة والهشة في المجتمع، من خلال
إنعاش سوق الشغل وبناء المساكن اللائقة. وبموازاة ذلك لابد من رد الاعتبار للقيم
التقليدية النبيلة التى كان المجتمع يتميز بها ألا وهي قيم التضامن والتعاون
والتآزر، فضلا عن قيم التواضع والقناعة ونبذ الترف الجشع والإثراء السريع. وهذه
الإجراءات لا تعني نفي الدور المنوط بالشرطة والدرك في مجال محاربة الدعارة، إذ من
الأهمية بمكان تفكيك الشبكات الدولية التي تنشط بشكل مباشر أو عبر الشبكة
العنكبوتية من أجل استدراج شباب وشابات وأطفال إلى سوق الدعارة.
ومن الطوباوية الاعتقاد بأن تلك الاجراءات ستقضي على ظاهرة الدعارة؛
ستظل هذه الآفة ما بقي الانسان على وجه البسيطة. ولكن لا يعني
هذا الخنوع وترك الحبل على الغارب، فبالامكان الحد من استشرائها وتقليص أعداد
الممتهنين لها.