العنف ضد النساء
الموضوع : ما هي العوامل التي تفسر العنف ضد النساء؟ وما هي الحلول التي تقترحها لهذا المشكل ؟
المقدمة :
أضحى
العنف ضد النساء من الظواهر التي تقض مضجع المسؤولين والمنظمات الحقوقية والجمعيات
النسائية. ولا غرابة في ذلك، فهذه الظاهرة ما فتئت تتفاقم في السنوات الأخيرة :
فالقضايا المعروضة أما المحاكم كثيرة جدا، ووسائل الإعلام تطالعنا كل يوم بحالة أو
حالات جديدة. فما هي الأسباب الكامنة وراء تفاقم العنف ضد المرأة ؟ وما هي
انعكاساته على الفرد والمجتمع ؟ وما الحلول الناجعة التي يمكن أن تحد هذه الآفة الاجتماعية ؟
العرض :
. أسباب العنف ضد النساء :
إن المناخ الثقافي السائد في المجتمع يعد
أحد العوامل المفسرة للعنف ضد النساء : فثقافتنا العربية تكرس النظرة الدونية
للمرأة، وتجعل من الرجل السيد والمالك والراعي والوصي. الأفكار والتصورات الشعبية
المسبقة عن المرأة : فصورة هذه الأخيرة لصيقة بالشر والشعوذة والسحر؛ فالنكات الشعبية مثلا تصور المرأة على أنها تضاهي
الشيطان في مكره ودهائه وخبثه.
ومما يكرس هذه الصورة السيئة الفهم الخاطئ لِلدِّين والتأويل غير
السليم لبعض السور القرآنية والأحاديث التي تطرقت لموضوع المرأة.
تشييء المرأة واختزال كينونتها في مجرد مصدر للمتعة الجنسية. فالمرأة
في عرف العديد من الناس تتبوأ مرتبة أقل من تلك التي يتبوؤها الحيوان فبعض الرجال
لما يتحدثون عن المرأة يتفوهون بعبارة حاشاك وكأنما تحدثوا عن موضوع مشين لا يليق
بهم التطرق إليه.
الأمية والجهل أحد أهم الأسباب المفسرة للعنف ضد النساء ففي ظل ضعف
تمدرس شريحة كبيرة من المجتمع وتلقيهم تعليما ينبني على العقلانية والانفتاح على
الأفكار النيرة، تظل الأفكار النمطية المتحجرة متجذرة في العقول والأنكى من ذلك أن
المرأة لاسيما في البوادي تحرم من الولوج إلى
المدرسة، مما يحرمها من الوعي بحقوقها ويجعلها عرضة للاستغلال
والتهميش والتحقير. الفقر، لاشك في ذلك، عامل آخر من العوامل المساعدة على العنف
ضد النساء. فالفقر مرتع لكل الموبقات وبيئة مناسبة لتفشي كل أصناف العنف. فالعديد
من الخادمات تضطر إلى العمل في بيوت بعض الميسورين الذين يستغلونهم كالعبيد
ويعنفونهم في غياب كل وازع.
التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي يشهده المجتمع : ففي ظل تأزم الوضع
الاقتصادي وانعدام فرص الشغل، أصبح الرجل ينظر إلى المرأة على أنها منافس له بل
وعدو بعد ولوجها عالم الشغل واحتلالها لمراكز هامة سواء في الإدارات العمومية أو
البنوك والشركات والمؤسسات التعليمية والمعامل وغيرها من المجالات الحيوية ...
كما أن تفشي المخدرات
واستهلاك المشروبات الكحولية من الأسباب المباشرة التي تؤدي إلى العنف: فكم ابن
قتل أمه لمجرد رفضها منحه النقود لشراء عقار مهلوس أو قنينة خمر. بل إن بعض الآباء
يغتصبون بناتهم وهم تحت تأثير الخمر.
الشذوذ الجنسي من أهم مظاهر العنف ضد النساء وفي الآن نفسه سببا لهذا
العنف: فتحت تأثير القنوات البورنغرافية والإباحية تغيرت الممارسات الجنسية فصار
الرجال يبحثون عن متع جنسية شاذة؛ وأمام رفض المرأة الامتثال للرغبات الجنسية
الغريبة يلجأ الرجل إلى اغتصابها وتعنيفها. ومما يشجع على ذلك تردّي القيم
الأخلاقية والدينية في المجتمع فقد اندحرت القيم التقليدية المبنية على التضامن
بين أفراد العائلة وتقديس العلاقة الزوجية وحلت محلها قيم فردانية تجعل من المال
واللذة وحب الذات المثل الأعلى.
إن غياب الديمقراطية والقهر السياسي وتعقد الحياة يقوي لدى الإنسان
الميل إلى العنف، لا سيما في ظل مناخ عام يغذي هذه النزعة : فالسينما والتلفزيون
ومواقع التواصل الإجتمماعي والإعلام المكتوب يبثون صور القتل الواقعية أو المتخيلة
التي تترسخ في ذهن القارئ والمشاهد وتنعكس على سلوكاته اليومية.
نتائج العنف ضد المرأة :
ينتج عن تعنيف المرأة اضطرابات نفسية تؤدي إلى انزواءها وانعزالها عن
المجتمع و في بعض الأحيان يصاب هذه المرأة باضطرابات عقلية بل بالجنون.
كما يؤدي عنف الرجل ضد زوجته أو ابنته إلى الانحراف، فكثير من الزوجات
والبنات غادرن بيت الأسرة هربا من التعنيف واخترن الشارع مكانا للعيش أو ارتمين في
أحضان الرذيلة. وهذا يساهم في تفاقم ظاهرة أطفال الشوارع. كما أن العنف يؤدي إلى
الطلاق مما يدفع الأبناء إلى التشرد والضياع، أو على الأقل يتسبب في اضطرابات
نفسية تؤثر على شخصيتهم، وأحيانا تجعل منهم منحرفين ومجرمين. إضافة إلى ذلك، يؤدي العنف إلى تفكك الأسرة
ويقوي النزعة الفردانية لدى الأشخاص، كما يزرع بذور الحقد والكراهية بين العائلات.
في أحيان كثيرة تنجم عن العنف ضد النساء جرائم قتل : فأمام عجز المرأة
المعنفة عن نيل حقوقها بالوسائل القانونية تضطر إلى التخلص من الرجل الذي يعنفها
بقتله. فنساء عدة صرحن للشرطة بأنهن قتلن أزواجهم أو إخوانهم أو أبناءهم بسبب
العنف الذي يتعرضن له من طرفهم. فكثرة القضايا المرتبطة بالعنف المطروحة أمام
المحاكم تفاقم بطء عمل المحاكم : فعوض انكباب القضاة والمحامون على معالجة قضايا
كبيرة تتعلق بالاستثمار والمخدرات ونهب المال العام وغيرها، يضطرون إلى الانشغال
بقضايا ما كانت لتوجد لولا العنف.
الحلول المقترحة لمشكل العنف ضد النساء :
ينبغي على علماء الدِّين عبر المنابر الإعلامية وخطب الجمعة والمدارس
تصحيح المفاهيم الدينية المتعلقة بالمرأة وتأويل الآيات القرآنية والأحاديث
النبوية تأويلا صحيحا يرفع كل لبس. كما يجب محاربة الفقر عبر سياسة تنموية تساهم
في خلق فرص العمل وتحسين الدخل الفردي.
إن محاربة المخدرات والمشروبات الكحولية أمر ضروري للحد من العنف ضد النساء. كما يجب تشجيع التمدرس ومحاربة الهدر المدرسي لاسيما في العالم القروي والأحياء المهمشة في المدن، وتوعية المرأة بحقوقها وتوفير الدعم القانوني لها. ولابد من تبسيط المساطر القانونية كي تتمكن المرأة التي تعرضت للعنف من نيل حقوقها ضد المعتدي. فتعقيد المساطر القانونية من الأسباب التي تحول ضد لجوء الضحية إلى العدالة.
محاربة الرشوة في أوساط بعض رجال الأمن والقضاء كي يسود القانون بدل سلطة المال التي تجعل من الضحية مذنبا. ويجب سن قوانين قاسية ضد الرجال الذين يعنفون المرأة بغرض ثنيهم عن ارتكاب جرائمهم. كما يجب تقوية المنظومة الأخلاقية والدينية التي تشكل حصنا منيعا ضد كل الانزلاقات، ألم يقل الشاعر محمد شوقي في هذا الباب إنما الأمم الأخلاق ما بقيت / فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. ويجب القيام بحملات للتوعية بآثار وانعكاسات العنف ضد المرأة على المجتمع والفرد؛ ولا يجب أن تكون هذه الحملات موسمية، بل استراتيجية على المدى البعيد. يجب العمل على تحسين صورة المرأة لاسيما في الإعلام حيث تبدو هذه الأخيرة مجرد بضاعة صالحة للاستهلاك، وترسيخ الفكرة لدى الناس بأنها كائن إنساني لا يختلف عن الرجل لا من حيث القدرات الفكرية والذهنية ولا من حيث الأحاسيس ولا من حيث الوظائف الاجتماعية والاقتصادية...
يجب العمل على إرساء قيم الديمقراطية في المجتمع، لأن ذلك يؤثر في
الأسرة وفي سلوك الأفراد ويجعلهم أقل عنفا وأكثر لجوءا للحوار. ينبغي العمل على
محاربة كل أشكال العنف في التلفزيون والسينما وكل وسائل الاتصال العامة.
الخاتمة :
إن أسباب العنف ضد المرأة تتنوع بين العوامل الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية. فشيوع مظاهر العنف في التلفزيون والسينما بل في المنظومة الثقافية
للمجتمع، إلى جانب انتشار استهلاك المخدرات، تشكل مناخا لارتكاب كل أنواع العنف ضد
النساء. ومما يشجع على ذلك النظرة الدونية للمرأة والناجمة عن تصورات دينية
وثقافية خاطئة. لذا يجب العمل على تصحيح هذه التصورات للحد من ظاهرة العنف، دونما
أن ننسى ضرورة سن قوانين قاسية تردع الرجل وتثنيه عن اللجوء إلى العنف. والأهم من
كل ذلك تشجيع التمدرس ومحاربة الأمية والجهل، والقيام بحملات للتوعية. لكن قد يقول
قائل أليس الرجل نفسه يعاني من العنف، بل ومن عنف النساء؟