الموضوع: أصبح الجفاف ظاهرة مزمنة. ما هي السبل للحد من آثاره؟
المقدمة:
أضحى الجفاف في السنوات الأخيرة
إشكالية كبيرة تقض مضجع الإنسانية وتؤرق المسؤولين في العديد من بلدان العالم،
فالجفاف لم يعد كما في السابق مجرد حالة عرضية تظهر من فترة إلى أخرى، بل صار
ظاهرة مزمنة ينبغي على الإنسان التكيف معها وأخذها بعين الاعتبار في كل السياسات
الغذائية والتنموية بشكل عام. لكن هل من سبيل للحد من آثارها إن لم يكن
بالإمكان معالجة أسبابها ؟
العرض:
أسباب ظاهرة الجفاف وآثارها
إن آفة الجفاف لم تعد تقتصر على بعض
بقاع الكرة الأرضية دون الأخرى كما كان الأمر عليه فيما ولى من الزمن في عدد قليل
من الدول كدول الساحل في إفريقيا، إنها تصيب شتى الدول بما فيها تلك التي كانت
تعرف بوفرة المياه وغزارة الأمطار. فبلد كأستراليا الذي يعد من أكبر منتجي الحبوب
عانى في السنوات المنصرمة من موجة جفاف عارمة تمخضت عن نقص في المحاصيل الزراعية
والارتفاع الصاروخي لأسعار الحبوب في العالم مما أدى إلى اضطرابات اجتماعية
وسياسية في الكثير من البلدان لاسيما الفقيرة منها.
ويعزو العلماء والباحثون هذه
الظاهرة إلى عوامل شتى. ولعل أهم هذه الأسباب يتمثل في الاختلالات المناخية الكبرى
التي تشهدها الكرة الأرضية منذ عقود بفعل التلوث والانحباس الحراري والتصحر وتقلص
مساحات الغابة واستنزاف الفرشاة المائية و ذوبان جبال الجليد في القطب الشمالي.
ينضاف إلى ذلك عدم انتظام التساقطات المطرية التي تأخذ في غالب الأحيان شكل عواصف
قوية تنجم عنها فيضانات داهمة تؤدي إلى انجراف التربة وإتلاف المحاصيل الفلاحية.
من جهة أخرى هناك عامل التلوث : فالمواد الكيماوية السامة المنبعثة من مداخن
المصانع و من عوادم السيارات وغيرها من النفايات تلوث المياه وتجعلها غير صالحة
للشرب وغير قابلة للاستعمال في مجال الري. وفضلا عن ذلك فالنمو الديمغرافي الهائل
والتطور المضطرد للنشاط الصناعي والفلاحي الذي يشهده العالم منذ نهاية الحرب
العالمية الثانية يزيد الضغط على الموارد المائية مما يؤدي إلى تقلصها واضمحلالها.
فما فتئ العلماء منذ سنين خلت يدقون ناقوس الخطر ويحذرون من كارثة حقيقية.
إن معضلة الجفاف تشكل خطرا حقيقيا يحدق بالإنسانية ويهدد
الملايين بالموت عطشا وجوعا، والأخطر من كل
ذلك أن الحروب المستقبلية بين أقطار المعمور ستنشب بسبب الصراع حول منابع المياه.
فسكان البوادي بصفة خاصة وأيضا سكان بعض المدن أصبحوا يعانون من نقص هذه المادة
الحيوية التي صارت تعرف بالذهب الأزرق نظرا لقيمتها الفائقة. فالقرويون يضطرون
للسير كيلومترات قصد الحصول على ما يروي ظمأهم. وبسبب الجفاف هاجر الكثيرون قراهم
ومداشرهم بعدما تخلوا عن نشاطهم الفلاحي واتجهوا صوب كبريات المدن حيث يتكدسون في
أحياء هامشية لا تتوفر فيها شروط العيش الكريم. وكذلك الحال في العديد من البلدان
كدول الساحل الإفريقي مثلا حيث يموت آلاف السكان كل سنة من العطش والجوع. بل إن
الدول الغنية والمتقدمة صناعيا وتكنولوجيا بدأت تتخوف من التصحر وندرة المياه.
لكن هل الجفاف قدر محتوم لا حول ولا قوة للإنسان أمام آثاره المدمرة؟ أليست هناك حلول للحد من آثاره إن لم يكن بالإمكان معالجة أسبابه ؟
الحلول الناجعة للحد من آثار الجفاف
إن الأبحاث العلمية التي يقوم بها العلماء في العديد من المعاهد ومراكز البحث العلمي في شتى أنحاء العالم تكاد تجمع على أن أسباب ومسببات الجفاف إنسانية وليست مناخية وطبيعية. وإن كان البعض لا يقصي العامل الطبيعي كمسسب للجفاف، فإن العامل الأساسي يظل النشاط الإنساني على وجه الأرض من ثم فإن الحلول الناجعة لظاهرة الجفاف تبقى واردة وممكنة. وبالفعل فجل العلماء، إن لم نقل كلهم، بل حتى السياسيون ورؤساء الدول ومسؤولو الأمم المتحدة يجمعون على ضرورة الحد من آفة التلوث والعمل على حل معضلة الاحتباس الحراري. وفي هذا الصدد عقدت العديد من المؤتمرات خصصت لدراسة الحلول الممكنة فمن قمة ريو دي جانيرو المنعقدة بالبرازيل سنة 1992 إلى قمة كيوطو باليابان عام 1997 مافتئت المؤتمرات الحكومية وغيرالحكومية تنعقد وتعكف على البحث عن مكامن الداء وسبل العلاج. بل إن موضوع الجفاف والتلوث صار حاضرا بقوة في قمم الثمانية التي تطغى على أشغالها قضايا ذات طابع سياسي واقتصادي. ونظرا لأهميتها القصوى، باتت البيئة مكونا أساسيا في سياسات الدول حيث خصصت لها وزارات كما هو الشأن في المغرب.
وللحد من ظاهرة تلوث الماء والهواء، والجو، شرعت العديد من الدول في معالجة مياه الصرف الصحي والمياه العادمة الصادرة من المجمعات السكنية والمصانع قبل تدفقها في البحار والأنهار. كما شرعت في التفكير بجدية في وسائل تقليص كميات ثاني أوكسيد الكاربون المنبعث من مداخن المصانع وعوادم السيارات. وفي هذا الإطار كرست مراكز البحث العلمي جهودها لتعويض مصادر الطاقة التقليدية الملوثة بطاقات بديلة متجددة وأقل تلويثا للبيئة من قبيل الطاقة النووية والشمسية والهوائية.
وقد تنامى الوعي بضرورة إصلاح ما
أفسدته أيادي الإنسان في الطبيعة. وهكذا شرعت الحكومات والمنظمات في غرس الأشجار
وتخصيص مساحات كبيرة لإنشاء غابات جديدة بغية الحفاظ على البيئة والحد من زحف
التصحر وانجراف التربة وتفاقم آفة ثاني أوكسيد الكاربون المسؤول عن ثقب الأوزون
والاحتباس الحراري. وقد ظهرت إلى حيز الوجود جمعيات ومنظمات و هیات دولية وإقليمية
ووطنية مثل Green Peace تعنى بحماية البيئة وتعمل على تنقية مياه البحار والأنهار من
المواد الملوثة ونشر الوعي بين الناس وحتى في المجال الفلاحي انصبت الجهود على
تطوير نباتات جديدة وأتربة لا تتطلب مياها كثيرة.
إلا أن أهم ما يجب القيام به على المدى المتوسط والبعيد هو ترسيخ الوعي لدى الناس بأهمية البيئة والماء وضرورة الحفاظ عليهما لاستمرارالحياة. وأقرب السبل لبلوغ هذا الهدف هو التعليم والإعلام: فإنه يتوجب على الحكومات سن سياسات تعليمية تخصص حيزا كبيرا في برامجها التربوية لتحسيس التلاميذ والطلبة بالأخطار المحدقة بالإنسانية من جراء ندرة المياه وقلة التساقطات المطرية، وحثهم على تفادي الأسباب المؤدية إلى ذلك الوضع الكارثي. ونفس الدور التوعوي والتحسيسي يجب أن تضطلع به الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام تحقيق ذلك يتطلب وقتا طويلا، وعلى المدى القريب يلزم تشييد السدود كما هو الشأن في المغرب فهذه السياسة أثبتت نجاعتها في مجال توفير الماء الشروب مياه الري. كما يجب ترشيد استهلاك الماء، وتطهير المياه العادمة لإعادة استعمالها.