مقالات بالفرنسية
قواعد التجويد
آخر المواضيع

هل تشاطر رأي المدافعين عن عقوبة الإعدام أم خصومها ؟

 

عقوبة الإعدام

هل تشاطر رأي المدافعين عن عقوبة الإعدام أم خصومها ؟

الموضوع:  هل تشاطر رأي المدافعين عن عقوبة الإعدام أم خصومها؟

المقدمة:

شهد المغرب في السنوات الاخيرة نقاشا عميقا وحادا حول ضرورة الابقاء على عقوبة الاعدام أو الغائها. فقد احتدم الجدال على صفحات الجرائد وفي القنوات التلفزيونية والاذاعات ومواقع التواصل الاجتماعي بين الرافدين لهذه العقوبة باعتبارها تتنافى مع الحق في الحياة، والمدافعين عن هذه العقوبة من منطق أنها حماية للفرد والمجتمع. فأي الرأيين يا ترى أقرب إلى الصواب؟

العرض:

وجهة نظر الفئة المعارضة لتنفيذ عقوبة الإعدام:

إن حركة مناهضة الإعدام ما فتئت تتسع وتكبر في أرجاء المعمور، حيث أن العديد من المنظمات والهيئات الرسمية وغير الرسمية ك Amnesty International والمجلس العالمي لحقوق الانسان التابع للأمم المتحدة تقود حملة مناوئة لتطبيق حكم الإعدام، وتسعى عبر حملات تحسيسية إلى استقطاب المناوئين لهذه العقوبة، وإلى إقناع المسؤولين الحكوميين والسياسيين بضرورة إلغاء عقوبة الإعدام. وينطلق هؤلاء من كون هذه العقوبة تتعارض مع الحق في الحياة التي وهبها الله للإنسان. إضافة الى ذلك فإن المشتبه به الذي ينطق القاضي في حقه بحكم الإعدام يمكن أن يكون بريئا، وفي حالة تنفيذ العقوبة يكون القضاء بل والمجتمع برمته ارتكب جريمة قتل. ثم أن بعض المجرمين يعانون من أمراض نفسية وعقلية أو يكونون تحث تأثير المخدرات والكحول مما يجعلهم نسبيا غير مسؤولين عن الجرائم التي يرتكبونها، نظرا لغياب عنصر الإرادة الواعية. فعوض اعتبار هذه الشريحة من الإشخاص مجرمين، يجب إيداعهم في مصحات للطب النفسي والعقلي قصد تمتيعهم بالعلاج وإعادة إدماجهم في المجتمع. وحتى لو سلمنا أن هؤلاء الأشخاص مجرمون يشكلون خطرا على المجتمع، ألا يكفي أن يحبسوا في السجن؟ فكم من شخص دخل السجن مجرما عاتيا وحصل على شهادات عليا في مختلف التخصصات العلمية والأدبية.

إن الذين يزعمون أن عقوبة الإعدام تساهم في الحد من تفاقم الجريمة وتفشيها واهمون: فعلى الرغم من تنفيذ هذه العقوبة ما فتئت الجريمة تتنامى وتصير أكثر بشاعة. بل الأدهى من ذلك أن المجتمع يعبر عن عجزه على إصلاح المنحرفين والمجرمين ويتحول بدوره إلى قاتل كما يبين فيكتور هيجو في كتابه "آخر يوم في حياة محكوم بالإعدام". إن عقوبة الإعدام تعبير عن عجز الدولة بكل مؤسساتها التعليمية والإصلاحية. والتخلص من المجرم بإعدامه ليس فقط تعريض هذا الأخير للعذاب النفسي والمعاناة والألم وهو في عنبر الموت ينتظر تنفيذ العقوبة، بل جريمة في حق أفراد عائلته: ما ذنب الطفل البريء الذي يصير يتيما بسبب إعدام أبيه؟ وما ذنب المرأة التي تصبح ثكلى بسبب هذا الإعدام؟ وما ذنب الأم التي تفجع في موت ابنها؟ إن المجتمع يعاقب كل أفراد عائلة المجرم الذين لم يقترفوا جرما، وهذا ظلم وجور.

وجهة نظر الفئة المؤيدة لتنفيذ عقوبة الإعدام:

إلا أنه رغم كل تلك البراهين والحجج، فالمدافعون على عقوبة الإعدام يصرون على ضرورة الإبقاء عليها لعدة أسباب. إن القول بأن بعض المجرمين يقدمون على ارتكاب جرائمهم البشعة تحت تأثير المخدرات أو بسبب الاضطرابات النفسية والعقلية أمر خطير: إنه بكل بساطة تبرير لتلك الجرائم مما قد يشجع المنحرفين على اقتراف المزيد من الفظائع، ويؤدي إلى تفاقم الجريمة واتساع رقعتها، وبالتالي انعدام الأمن والاستقرار. حقا إن بعض الأشخاص لا يتمتعون بكامل قواهم العقلية، ويجب استشارة الاخصائيين والخبراء للتأكد من ذلك، مع الحرص على عدم السقوط في مغبة تبرير كل الجرائم كما يحلو لمعارضي عقوبة الإعدام أن يفعلوا. بل أن بعض السفاحين والقتلة صاروا بوقاحة يصرحون في المحاكم بأنهم مرضى يحتاجون للعلاج، علما بأنهم كانوا يخططون لجرائمهم البشعة بذكاء فائق ودقة تثير الانبهار.

إن عقوبة الإعدام ليست سلبا للحياة كما يزعم معارضوها، بل حماية لحياة آلاف بل ملايين الأشخاص من بطش وخطر المجرمين الذين يقترفون جرائم تفوق وحشيتها ما يقوم به حتى الحيوانات المفترسة الفتاكة: فمن العار، بل من الجرم التماس الأعذار لسفاح تارودانت الذي كان يغتصب الأطفال الأبرياء وينكل بأجسادهم الهزيلة قبل إقبارها في المزابل. إن مجرما يغتصب طفلة بريئة لم يتجاوز سنها أربعة سنوات قبل أن يخنقها لا يستحق الرحمة أو الشفقة. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل يستمر أولئك الذين يطالبون بإلغاء عقوبة الإعدام في النضال بحماس وعزيمة إذا ما تعرض طفلهم الصغير أو طفلتهم البريئة إلى اغتصاب بشع تتلوه عملية خنق حتى الموت؟

إن عقوبة الإعدام لا تتعارض مع القيم الدينية الإسلامية، بالعكس فهي واجب في العديد من الحالات التي حددها القرآن بدقة، لذا فعلماء الدين في البلدان الاسلامية يرفضون بشدة إلغاءها. وأولئك الذين يرددون بأنها عقوبة وحشية أو همجية وترأف قلوبهم لمعاناة المجرم في عنبر الموت ينسون أو يتناسون معاناة أسر وأقارب ضحايا ذلك السفاح، وينسون أن الإحساس بالألم والعذاب جزء من العقوبة: هل يجب أن يفرش السجن بالورود لاستقبال مجرم قتل الأبرياء بوحشية دون وازع أو رادع؟ يجب أن يكون المحكوم عليه بالإعدام عبرة وقدوة للآخرين الذين قد تسول لهم أنفسهم القيام بنفس الجرائم، ولن يتأتى ذلك إلا إذا أحسوا بالرعب.

الخاتمة:

وجهة النظر الشخصية حول تنفيذ عقوبة الإعدام:

شخصيا، أعتقد أن المشكل الحقيقي لا يكمن في إلغاء عقوبة الإعدام أو الإبقاء عليها، بل في ضرورة محاربة أسباب الجريمة المتمثلة في الفقر والأمية والبطالة والتفسخ الأخلاقي وتفكك الأسرة. فمن العبث واللا منطقي الحديث عن العقوبة بإسهاب في التلفزيون والإذاعة والجرائد ومواقع التواصل الإجتماعي وإغفال العوامل المؤدية إلى الجريمة. يجب أن نكرس جهودنا وتفكيرنا للبحث عن الوسائل الكفيلة للحد من الجريمة.


google-playkhamsatmostaqltradent